عيناكِ. بقلم سارة علي
انت في الصفحة 1 من 18 صفحات
عيناك ملاذي بقلم سارة علي الجزء الاول.
كانت تسير بخطوات سريعة على رصيف أحد الشوارع العامة بينما الأمطار فوقها تتساقط بغزارة ركضت بلهفة بإتجاه إحدى العمارات السكنية وهي تفكر بأن الأمطار لن تبللها أكثر فهي لا تمتلك مظلة تقيها مياه الأمطار الغزيرة كونها ببساطة لا تملك ثمنها تنفست الصعداء أخيرا وهي تحتمي بسقف البناية العالي ربتت على خصلات شعرها المبللة تعدلها قليلا فقد تبعثرت بسبب المياه ثم سارت نحو المصعد لتتجه الى الشقة المنشودة وصلت أخيرا الى الشقة لتضغط على جرس الباب عدة مرات دون رد شعرت بالإحباط فهذه بداية غير مبشرة إطلاقا ظلت واقفة لأكثر من نصف ساعة تطرق الباب مرة وترن الجرس مرة أخرى دون رد قررت أن ترحل أخيرا فيبدو أنه لا أحد ينتظرها في الداخل ما إن تحركت من أمام الباب حتى سمعت صوتها يفتح فإستدارت بلهفة الى الخلف لتتفاجئ بشاب يقف أمامها يرتدي بنطال برمودا جذعه العلوي عاري تماما أخفضت بصرها في الحال بينما تثائب الشاب بنعاس ثم قال لها..انت مين.. وعايزة ايه
قال بتذكر..آه انت جيتي طب ادخلي يلا.
افسح لها المجال لتدخل ولجت هي الى الداخل بخطوات مترددة قبل أن تسمع صوت إغلاق الباب يتبعه اقتراب الشاب منها وهو يقول بنبرة أمرة..عايزك تنظفي الشقة كلها بس قبلها اعمليلي فطار...
ثم سألها..صحيح إسمك إيه
..تالا اسمي تالا.
هز رأسه وقال بجدية..هتعرفي تعملي الأومليت يا تالا ولا أعمله أنا.
أجابته بسرعة..أعرف طبعا.
..هايل يبقى خشي اعمليه بسرعة عشان أنا جعان المطبخ على إيدك الشمال.
اتجهت تالا بسرعة الى المطبخ بينما جلس الشاب على الكنبة بعدما فتح التفاز وأخذ يقلب في قنواته بملل رن هاتفه فحمله ليجد والدته تتصل به فزفر أنفاسه بضيق وهو يضغط على زر الإجابة ليأتيه صوتها المتذمر..كرم أنت فين وليه مبتردش عليا.
قالت مرة أخرى ببرود..وبتعمل إيه عند أخوك... عايز تعيش هناك أنت كمان مش كفاية عليا انوا سابلي البيت وراح عايز تسيبهولي انت كمان.
نظر الى الأعلى بنفاذ صبر قبل أن يقول ردا على كلامها..اطمني مش هسيبك انا بس قلت اقعد كم يوم معاه اسليه بيهم.
رد كرم بجدية..انت عارفة انوا صعب يرجع معايا فملوش لزمة تطلبي مني شيء مستحيل زي ده.
قالت الأم برقة مصطنعة..معلش حاول معاه عشان خاطري نفسي أشوف ولادي حواليا قبل ما أموت.
..ايه الجو القديم ده.. ومين دي اللي ټموت ده انت صحتك أحسن من صحتي أنا شخصيا
قالها بتهكم لترد بعصبيةخليكوا كده فاكرين إني كويسة وسعيدة لحد متخسروني ساعتها بس هتحسوا بقيمتي.
أجابته..لا خلاص قلت اللي عندي بس خد بالك من نفسك سلام يا حبيبي.
..سلام.
قالها وأغلق الهاتف ثم رماه على الكنبه بجانبه نهض من مكانه متجها الى المطبخ ليجد تالة قد أعدت الأومليت ووضعته في أحد المواعين ليقترب منها ويقول..عملتيه بالسرعة دي
أومأت برأسها وهي تجيبه..هو سهل اصلا ومش بياخذ وقت.
تنحنت تالا قائلة بأحراج..العفو.
ثم إتجهت خارج المطبخ لتبدأ بتنظيف الشقة.
في مكان أخر وتحديدا في شركة صغيرة بعض الشيء نجد شابة جميلة ذات قوام ممشوق تقف أمام مديرها تدون في دفترها ما يلقيه على مسامعها..توقف مديرها أخيرا عما يقوله لتهتف متسائلة..فيه حاجة تانية تحب أكتبها يا أمير بيه
أجابها أمير وهو يقلب في أحد الملفات..لا كده تمام رتبي الكلام ده وابعتي النهاردة ليهم.
..حاضر.
قالتها وهي تتجه خارج غرفة مكتبه لينظر أمير الى الباب الذي أغلقته ثم يغلق الملف الذي كان يقلب فيه ويتراجع الى الخلف مستندا بجسده على ظهر الكرسي مغمضا عينيه لثواني ما إن أغمض عينيه حتى ظهرت صورتها أمامه صورتها التي إعتاد أن يراها في أحلامه قبل واقعه صورتها التي احتفظ بها في قلبه وعقله عن ظهر قلب..فتح عينيه أخيرا كمن مسه شيء وهو يحاول أن يبعد صورتها عنه فهو لا يريد أن يتذكرها على الأقل الأن..فذكراها تعني ضعفه وهو بحاجة لأن يكون قويا قويا للغاية...عند هذه النقطة شعر پحقد كبير على والديه اللذان تسببا له بكل هذا الۏجع والحيرة..لو لم يفعلا ما فعلاه لكان الأن شخصا ثانيا سعيد وقوي بما فيه الكفاية..نهض من فوق كرسيه وسار بخطوات رتيبه نحو النافذة التي تطل على الحديقة الخارجية ذات التصميم الهندسي الراقي..ثلاث أعوام مرت على انفصاله التام عن والديه بل عن عائلته بأكملها..ثلاث اعوام لم يتجرأ أحدا منهم ويتحدث معه او يقترب منه.. ثلاث أعوام مرت على تركه لهم وبنائه لمستقبله بعيدا عنهم..ثلاث أعوام لم ينس بها ربى التي ما زالت تسيطر على قلبه وعقله وكأنها تأبى أن تتركهما ولو لثانيه
واحدة خوفا من أن يعتادا على نسيانها..أفاق من أفكاره المظلمة على صوت باب مكتبه يفتح يتبعه دخول صديقه المقرب فراس الى الداخل..اقترب فراس منه وغمغم بلهجة هادئة..صباح الخير.
الټفت أمير نحوه رادا عليه..صباح النور كنت فين
أجابه فراس وهو يجلس على أحد الكراسي الموضوعة على جانب مكتبه..كنت بجهز لسفرية بكرة.
..يعني نويت خلاص
قالها أمير وهو يتجه نحو مكتبه ليجلس على كرسيه فيومأ فراس برأسه ويقول..كلها أسبوعين أغير فيهم جو متيجي معايا
قال أمير بإقتضاب..مليش نفس.
أومأ فراس برأسه متفهما وقد إعتاد على برود صديقه ليقول محاولا تغير الأجواء قليلا..أخبار كرم إيه لسه بايت عندك.
تذكر أمير أخيه كرم أخيرا والذي يحاول أن يفرض نفسه عليه مرارا ويخرجه من عزلته ليومأ برأسه ويقول مجيبا على سؤال فراس..للأسف لسه.
تنهد فراس وقال بجدية..كرم ملوش علاقة بأخطاء أهلك متحملهوش ذنب حاجة معملهاش.
..ومين قالك إني بحمله الذنب انا بس مش عارف أتأقلم معاه انت عارفه انوا طبعه غير طبعي انا بحب الهدوء وهو بيحب الزيطة.
ابتسم فراس وقال مؤكدا كلامه..فدي معاك حق.
ثم نهض من مكانه وقال..اروح انا بقى يادوب الحق أودع عيلتي قبل السفر عايز حاجة من هناك
..ربنا معاك تروح وترجع بالسلامه.
أشار فراس له مودعا ثم خرج وتركه لوحده ليغرق في دوامة أفكاره من جديد.
كانت تقوم بعملها على أبلغ وجه تنظف غرفة تليها الأخرى بإجتهاد..انتهت من تنظيف جميع الغرف ولم يتبق سوى صالة الجلوس والمطبخ..توجهت نحو صالة الجلوس لتجد كرم جالسا يتابع أحد الأفلام الأجنبية وبيده زجاجة خمړة..أبعدت بصرها عنه بسرعة وهي تستغفر ربها قبل أن تبدأ بعملية التنظيف..أخذ كرم يتابعها بتمعن متأملا جسدها النحيل للغاية والذي يشبه جسد فتاة لم تتعد المرحلة الإعدادية وجهها الشاحب للغاية والذي تبرز عظامه بوضوح بالتأكيد هي تعاني من سوء التغذية..راقبها رغما عنه ولم يخف عنه جمالها الهادئ ببشرتها البيضاء وشعرها البني الحريري وعينيها البنيتين..تناول ما تبقى من زجاجة الخمړة على دفعة واحدة وقد شعر برغبة كبيرة بإكتشاف ما تخبئه تلك النحيلة داخل ثوبها البالي..وقفت تالا أمام الطاولة الموضوعة في احد أركان الصالة تنظف احدى الفازات الثمنية