متي تكون زيارة المتوفي ومتي يشعر الميت بالزيارة
تمامًا، ولا هو إعدام لوجوده الذي أوجده الله له، بل إن المoت حالة من أصعب الحالات التي يمر بها الإنسان؛ حيتخرج فيها روحه؛ لتعيش في عالم آخر، فخروجها من الجسد الذي كانت بداخله صعب، فالمoت هو مفارقة الروح للجسد حقيقة؛ قال شيخ الإسلام الغزالي في "إحياء علوم الدين" (4/ 493): [ومعنى مفارقتها للجسد: انقطاع تصرفها عن الجسد بخروج الجسد عن طاعتها].
القبر هو أولى منازل الآخرة، حيث إنَّ الإنسان فيه يُبشَّر بمكانه في الجنة أو منزله من النار، فإن كان العبد مُؤمنًا لقي في قبره الراحة والفسحة والسّعادة، وإن كان كافرًا عاصيًا فاسقًا لقي نتيجة بعده عن الله في قبره وتكذيبه بما أرسله الله وجاء به الأنبياء، وإن كان المسلم الذي
دخل القبر قد اقترف ذنوبًا يسيرةً فإن له في هذه الحالة مُعاملةً أخرى، وكلُّ ذلك سيجري بيانه خلال هذه المقالة.
تبدأ حياة الميت الثانية بعد دخوله القبر، فلا تنتهي الحياة بمoت الإنسان في حقيقة الأمر، بل إنّه ينتقل من حكم عن الحياة الدنيا بطريق المoت إلى الحياة الآخرة التي أولها القبر،
حياة الميت البرزخية هي التي تكون بعد مoت الإنسان إلى بعثه، وسواء قُبِر أو لم يُقبر أو احترق أو أكلته السباع، والذي يدل على هذه الحياة ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الميت بعدما يوضع في قبره يسمع قرع نعال أهله، كما جاء في الحديث.
وهذه الحياة إما أن تكون نعيمًا وإما أن تكون جحيمًا، والقبر فيها إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران، والذي يدل على النعيم والعذاب فيها، قول الله تعالى عن قوم فرعون: «النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ» (سورة غافر:46)، قال ابن مسعود: إن أرواح آل فرعون ومن كان مثلهم من الكفار تحشر عن النار بالغداة والعشي فيقال هذه داركم
وجاءت العديد من النصوص القرآنيّة في
إثبات ما يمرُّ به العبد بعد دخوله القبر من مراحل بين السؤال والحساب والنعيم والعذاب، فمن كان في حياته قريبًا من الله -سبحانه وتعالى- مُتعلّقًا فيه،
مرّت عليه تلك المراحل سلسةً يسيرةً، ومن كان فيها غافلًا عن الله عاصيًا له مُطيعًا لهواه ورغباته فإنّه سيلقى أقسى أنواع العذاب والحساب والسؤال من قِبَل ملائكة الله، وفيما يأتي بيان بعض النصوص التي تُثبت شيئًا ممّا يمرُّ به الميت في القبر حسب ترتيبها المنطقي:
من آمن بالله حق الإيمان فإنه سيدخل قبره آمنًا مُطمئنًا، فإذا ما سأله الملكان أجابهما بثباتٍ وسكينةٍ واطمئنان، وذلك لما كان منه من الإيمان والتقوى والعمل الصالح وحسن الاستعداد للآخرة، قال الله تعالى: «ثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ» (سورة إبراهيم: 27).